L'ULS

لبنان احتفى باليوبيل الأسقفي الفضي للمطران بولس مطر بمشاركة البطريرك الراعي وببركة الحبر الأعظم

lundi 18 juil. 2016
لبنان احتفى باليوبيل الأسقفي الفضي للمطران بولس مطر بمشاركة البطريرك الراعي وببركة الحبر الأعظم
لبنان احتفى باليوبيل الأسقفي الفضي للمطران بولس مطر بمشاركة البطريرك الراعي وببركة الحبر الأعظم
لبنان احتفى باليوبيل الأسقفي الفضي للمطران بولس مطر بمشاركة البطريرك الراعي وببركة الحبر الأعظم
Partager

البابا: نتوجه إليكم، في هذه المناسبة السعيدة، بعاطفة التهاني على كلّ الخدمة الرعويّة التي تقومون بها بحبٍ وتفانٍ كبيرين وبأمانة لتعاليم الكنيسة

 

كلّ لبنان بمسيحيه ومسلميه شاركوا أبرشيّة بيروت المارونيّة إكليروسًا وعلمانيين في القدّاس اليوبيلي الأسقفي الفضّي لراعيها المطران بولس مطر في مناسبة مرور 25 سنة على سيامته الأسقفيّة، الذي ترأسه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة في بيروت وعاونه فيه صاحب اليوبيل والمطارنة ميشال عون وإدغار ماضي ومارون عمّار، وشارك فيه، البطريرك إغناطيوس يوسف الثالث يونان والسفير البابوي المونسنيور غابريللي كاتشا ومتروبوليت بيروت المطران الياس عودة والمطران كيرللس بسترس ولفيف من المطارنة والآباء العامون ورؤساء الجامعات الكاثوليكيّة وكهنة ورهبان وراهبات . كما شارك النائب الأستاذ عبداللطيف الزين ممثلًا رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه برّي ووزير العمل الأستاذ سجعان قزّي ممثلًا رئيس الحكومة الأستاذ تمّام سلام والرؤساء أمين الجميل وحسين الحسيني وفؤاد السنيورة والسيدتان صولانج الجميل ومنى الهراوي والوزراء السادة: ميشال فرعون ونهاد المشنوق والياس بو صعب ونواب حاليون ووزراء سابقون وممثلو رؤساء الأحزاب ورئيس المجلس العام الماروني الشيخ وديع الخازن ورئيس الرابطة المارونيّة النقيب أنطوان قليموس وعميد المؤسسة المارونيّة للإنتشار الأستاذ ميشال إده ورئيسها الأستاذ نعمت فرام ومحافظ بيروت القاضي زياد شبيب ورؤساء هيئات دبلوماسيّة ونقابيّة وقضائيّة وإعلاميّة وإجتماعيّة وآكاديميّة وتربويّة وممثلون عن القيادات العسكريّة والأمنيّة ورؤساء بلديات ومجالس رعويّة وهيئات مدارس الحكمة وجامعتها وعائلة المحتفى به وأبناء بلدته الناعمة.

 

قبيل بدء القدّاس تلا المونسنيور كاتشا بركة رسوليّة وجّهها قداسة البابا فرنسيس للمطران مطر في مناسبة يوبيله وفيها: إلى الأخ الجليل بولس يوسف مطر، إذ تحتفلون بفرحٍ باليوبيل الفضّي لأسقفيّتكم، نتوجه إليكم، في هذه المناسبة السعيدة، بعاطفة التهاني على كلّ الخدمة الرعويّة التي تقومون بها بحبٍ وتفانٍ كبيرين وبأمانة لتعاليم الكنيسة، كما نمنحكم بمودّة بركتنا الرسوليّة، بشفاعة العذراء مريم الكليّة الطوبى، عربونًا للنعم السماويّة وشهادة على محبّتنا، متوسّلين صلاتكم لنكون قادرين على القيام بالمهام الرسوليّة التي اُوتيناها على كرسيّ بطرس.

 

عظة البطريرك

 

وبعد الإنجيل المقدّس ألقى البطريرك الراعي عظة حاء فيها:

 

إنّ رسالتنا هي أنتم" (2 كور 3: 2)

 

1.عندما رُقّي سيادة أخينا المطران بولس مطر إلى الدرجة الأسقفية بوضع يد أبينا صاحب الغبطة والنيافة مار نصرالله بطرس وحلول الروح القدس عليه في 3 آب 1991، اختار شعاره للخدمة الأسقفيّة كلمة شفيعه القديس بولس الرسول في رسالته الثانية إلى أهل كورنتس: "إنّ رسالتنا هي أنتم" (2كور3: 2). فأحبّ جميع الناس، وسهر على خيرهم وعلى إسعادهم وخلاص نفوسهم.

 

بدأ رسالته هذه أوّلًا كنائب بطريركي عام في سنوات أسقفيّته الخمس الأول، ثمّ أكملها على مدى عشرين سنة كمطرانٍ راع صالح لأبرشية بيروت جعل شعارها "الحقيقة في المحبة". وها هو اليوم، وكلّنا معه، يرفع ذبيحة الشكر لله، بمناسبة يوبيله الأسقفي الفضي، على النعم التي أفاضها على الذين شملتهم خدمته المثلّثة: التعليمية والتقديسية والتدبيرية، على صعيد كلّ من الكرسي البطريركي وأبرشية بيروت والكنيسة المارونية والكرسي الرسولي.

 

2. يسعدني أن أعرب لك، أيّها الأخ الجليل المطران بولس، باسم الحاضرين جميعًا وباسمي، عن التهاني القلبية وأخلص التمنيات في يوبيلك الأسقفي، راجين أن يكون نشيدَ تسبيح وتمجيد لله بحياتك وأعمالك ونشاطات رسالتك، وأن يكون وقفةَ استغفار عمّا صدر عنك من نقص وأخطاء لا يخلو منها إنسان، واستلهامًا لأنوار الروح القدس في التزامك الراعوي والرسولي المتجدّد. 3

 

. إنّ عهدك الكهنوتي مع المسيح والكنيسة هو مسيرة إحدى وخمسين سنة، منها خمس وعشرون في ملء الكهنوت وخلافة الرسل. فكنتَ تخدم، وما زلت، بغيرة بولس الرسول الذي اتّخذتَ اسمه في الكهنوت بدلًا من اسم فؤاد في المولد، يقينًا منك أنّ الروح القدس بدّلك في كيانك الداخلي، وصوّرك على مثال المسيح الكاهن المعلّم والفادي والمخلّص والراعي الصالح النابض حبًّا. فشئت أن يكون تبديل الاسم تبديلًا حياتيًّا دائمًا بفعل نعمة الكهنوت، وكان كذلك. لقد وُلدت في الكهنوت سنة 1965، وهي سنة اختتام المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، الذي سمّاه القدّيس البابا يوحنا بولس الثاني "ربيع الكنيسة". فأدركت في قرارة نفسك أنّك ابن هذه العنصرة الجديدة والتزمتَ بروحها وتيّارها التجدّدي. وسعيت لأن تصنع ربيعًا حيثما دُعيت للرسالة، ولاسيّما في إدارة مدرسة الحكمة-بيروت ورئاسة رابطة كاريتاس-لبنان.

 

4. وعندما أقامك الروح القدس أسقفًا، جاعلًا إيّاك من خلفاء الرسل، سلّمك المسيح "راعي الرعاة العظيم" (1بطرس 5: 4) رسالة التعليم لجميع الأمم، والكرازة بالإنجيل لكلّ خليقة، كي يبلغ جميع الناس إلى الخلاص ومعرفة الحقّ بحفظ الوصايا والتعليم الإلهي. فكرّستَ كلّ ذاتك لهذه الرسالة، واضعًا في خدمتها ما اكتنزتَ من علوم فلسفيّة ولاهوتيّة رفيعة، وخبرة في الخدمة الروحيّة والراعويّة والتعليميّة والتربويّة والإداريّة. وانطلقتَ من خلال أعمالك الراعوية المتنوّعة تحقّق شعارك الأسقفي: "إنّ رسالتَنا هي أنتم" (2كور3: 2)، وأنت مدرك تمامًا أن الإنسان كلّ إنسان هو طريق المسيح لخلاصه، وبالتالي "طريق الكنيسة" وطريق حياتها وخبرتها اليومية، طريق جهادها وعملها. وعليها بالتالي أن تتنبّه لِما يهدّد حياة الإنسان من أخطار، ولِما ينتهك كرامته، ويعرقل مسيرة حياته نحو حياة أفضل وأكثر إنسانية، على ما كتب القديس يوحنا بولس الثاني في رسالته العامة الأولى: "فادي الإنسان" (عدد14).

 

5. "أنا باب الخراف" (يو10: 7). يؤكّد الربّ يسوع بهذا التشبيه أنّه هو وحده باب الخلاص والسعادة لكلّ إنسان، وهو الحارس له من شرّ الذئاب والأضاليل والأشرار. هذا التشبيه يسري على الأسقف في أبرشيّته، وهو حسب اللفظة اليونانية "السهران على المدينة" بمفهوم الأبرشية. الباب هو المدخل الآمن والضامن والحارس. ويلتقي التشبيه مع كلمة القديس اغناطيوس الأنطاكي: "حيث الأسقف هناك الكنيسة".

 

إدراكًا منك، ايّها الأخ الجليل، لهذه الحقيقة المتنوّعة الوجوه، تميّزت بسهرك على الأبرشية والحضور الفاعل والبنّاء فيها. وكم نأمل أن تعي الجماعة السياسية في لبنان أن رئيس الجمهورية هو بمثابة "الباب" لجميع مؤسسات الدولة بحيث من خلاله تدخل إلى شرعيّتها وفاعلية عملها وحيويتها. وبهذه الصفة هو حامي الدستور والشعب والساهر على خيره والخير العام. إنّ أيّ مدخل آخر، غير رئاسة الجمهورية، هو سطوٌ على الدولة ومالها العام ومؤسّساتها وشعبها. نرجو أن تدرك الكتل السياسية والنيابية خطورة تلكُئها عن واجبها الأساسي بانتخاب رئيس للبلاد. فالدولة من دون رئيس كقصر من دون باب فلا يسلم فيه اي شيء، إذ يصبح مستباحًا للسلب والهدر والاعتداء.

 

6. في الكرسي البطريركي، كنتَ أيها الأخ الجليل المطران بولس، كنائب بطريركي عامّ، في جهوزية تامّة لخدمة رسالة هذا الكرسي الراعوية والاجتماعية والوطنية، ولتلبية ما كان يُسنِد إليك سلفُنا الجليل البطريرك الكردينال مار نصرالله بطرس في الحياة اليومية وفي الشؤون الكنسية العامّة، إلى جانب النائب البطريركي العام الأوّل سيادة أخينا المطران رولان أبو جوده، والنوّاب البطريركيّين المقيمين في نيابات الأبرشية البطريركية الأربع. وفوق ذلك، أدَّيت رسالة أوسع على مستوى الكنيسة المارونية كمشرف على إكليريكية غزير البطريركية، وكزائر على الرهبانية المارونية المريمية بتعيين من القديس البابا يوحنا بولس الثاني، وممثّل للكنيسة المارونية في مجلس كنائس الشّرق الأوسط، وعضو فاعل في لجنة التحضير للمجمع البطريركي الماروني.

 

وعلى مستوى مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، أسند إليك رئيسُه الإشراف على رابطة كاريتاس-لبنان، وكلّية اللاهوت الحبرية في جامعة الروح القدس-الكسليك. كما انتخبك المجلس رئيسًا للّجنة الأسقفيّة للعلاقات المسكونية.

 

7. نحن اليوم، نرفع معك صلاة الشكر لله على ثمار خدمتك السخية والمتنوّعة، وعلى ما أتاك من مواهب ونعم مكّنتك من القيام بالرسالة والخدمة أحسن قيام، واهّلتك لتكون رئيسًا لأساقفة أبرشية بيروت التي انتخبك لها سينودس أساقفة كنيستنا المارونية المقدّس في دورة حزيران 1996 وهي "كنيسة الله التي أقامك عليها الروح القدس راعيًا، وقد اقتناها المسيح بدمه" (أعمال 20: 28). إنّها أبرشية تعرفها وتعرفك، تحبّها وتحبّك. وقد استطعت أن تقول لها بكلام المسيح الراعي الصالح: "أعرف خرافي وخرافي تعرفني" (يو10: 14).

 

8. تسلّم المطران بولس مطر خدمة المحبة الراعوية في أبرشية بيروت، جاعلًا من كلّ أبنائها الموارنة، وسائر الساكنين على أرضها، من مسيحيّين ومسلمين على تنوّع الكنائس والمذاهب، رسالته، رسالة "الحقيقة في المحبة"، فشملهم جميعًا بمحبّته، وتعاون مع مطارنتهم وسلطاتهم الروحيّة والمذهبيّة وقاداتهم السياسيّين. وتفانى في سبيل هذه الرسالة بكل ما أوتي من محبة في قلبه، وعلم وبصيرة ورؤية واضحة، متّكلًا على نعمة الله، وموآزرة الكهنة والرهبان والراهبات، والعديد من المؤمنين والمؤمنات في مجالس الأبرشية ولجانها وهيكليّاتها. فأعاد معهم بناء كنائسهم الرعائية وقاعاتها الراعوية، وأجرى المصالحات، وقرّب بين القلوب، وعمل بكلّ نشاط على شدّ أواصر الوحدة في الأبرشيّة. فانطلقت وازدهرت على الرغم من كلّ الصعوبات. وسكن في قلبه الهمّ بشأن الفقراء والمتعثّرين في حياتهم المعيشيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. ففتح أمامهم إمكانيات المساعدة في مدارس الحكمة وفي جامعة الحكمة التي أسّسها مع حرمها الجامعي الجديد، وفي أوقاف الأبرشية ومؤسساتها.

 

9. إلى جانب خدمته الراعوية هذه في الأبرشية، أُسندت إليه مهام كنسيّة أخرى خارج حدودها. فعلى الصعيد المسكوني، عُيّن ممثّلًا للكنيسة المارونية في حوار الكنائس السريانية في إطار مؤسسة Pro Oriente، وانتُخب رئيسًا لمجلس كنائس الشّرق الأوسط؛ وعلى صعيد الكرسي الرسولي عيّنه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر عضوًا في المجلس الحبري للتبشير الجديد بالإنجيل، وعيّنه قداسة البابا فرنسيس زائرًا رسوليًّا على أبرشية صيدا المارونية.

 

10. هذا هو جنى ثمار الخمس وعشرين سنة من أسقفيّتك يا أخانا الجليل المطران بولس مطر. وانت ترفعه اليوم إلى الله مصلّيًا مع صاحب المزامير: "ماذا أردّ إلى الربّ، عن كلّ ما أحسن به إليّ؟ أرفعُ كأس الخلاص، وأدعو باسم الربّ (مز116: 13). وقد شئتَ أن يكون كأس خلاص خدمتك الراعوية مسكوبًا مع دم المسيح الغافر في الكأس الذهبي الذي رفع فيه القديس البابا يوحنا بولس الثاني ذبيحة الشكر في بيروت أثناء زيارته الرسولية للبنان في أيار 1997، وتوقيع الإرشاد الرسولي "رجاء جديد للبنان".

 

11. هنيئًا لك، أيّها الأخ الجليل المطران بولس، يوبيلك الأسقفي الفضّي، وليكن ينبوعًا لمزيد من النعم الإلهية، لكي تواصل رسالتك الراعوية على رأس أبرشية بيروت العزيزة، وفي المهام المُسندة إليك، بنشاط متجدّد وجهوزية دائمة، تقول فيها كلمة "نعم"، على مثال أمّنا وسيدتنا مريم العذراء، سلطانة الرسل وأمّ الكنيسة، وتواصل التزامك الرسولي، بروحانية أبينا القديس مارون وآبائنا القدّيسين. وليتمجّد ويُسبّح في كلّ ذلك الله الواحد والثالوث، الآب والابن والروح القدس الآن وإلى الأبد، آمين. كلمة المطران مطر وفي ختام القدّاس ألقى المطران مطر، كلمة شكر جاء فيها:

 

إنَّهُ لَشَرفٌ كبيرٌ لي يا صاحبَ الغبطةِ أَن أُشَارِكَ في هذا القدَّاسِ اليُوبِيليِّ الَّذي أُقِيمُهُ على نيَّةِ أَبرشيَّتي، مَع بطريركِ الشَّركةِ وَعنوانِها، وهو الَّذي اتَّخذَهَا شِعَارًا لهُ يَومَ تَبَوُّئِهِ سدَّةَ الرِّئاسةِ وَالأبوَّةِ في كنيستِنَا المارونيَّةِ العزيزةِ. وَإِنَّها لَمحبَّةٌ عُظمَى أَن يَنتقلَ بطريركُ المحبَّةِ، بطريركُ إِنطاكيَة وسائرِ المشرقِ الكلِّيُّ الطُّوبَى، مِن مَقَرِّهِ الصَّيفيِّ في الدِّيمان إِلى هذه الكاتدرائيَّةِ في بيروتَ لِيَرأَسَ احتفالَنا بِالذِّكرَى الخامسةِ وَالعشرين لرِسامَتِي الأسقفيَّةِ الَّتي تنزلُ إِلينا أَفراحُهَا وَسطَ غُيومٍ مِن أَحزانٍ تَلفُّ منطقتَنَا وَشُعُوبَها بِأَسرِهَا.

 

فَلِغِبطتِكُم أَسمَى آيَاتِ العرفانِ وَالشُّكرِ أُقدِّمُها بِاسمِ أَبرشيَّةِ بَيروتَ، إِكليروسًا وَعلمانيِّينَ وَبِاسمِ هذا الجَمعِ الحاضرِ، لِلعَاطفةِ الأَبويَّةِ الَّتي أَردتُم أَن تخصُّوني بها في هذا اليومِ المُبارَكِ؛ وَأَتوجَّهُ بِالشُّكرِ الخالِصِ مِن دولةِ رئيسِ مجلس النوَّاب الأستاذ نبيه برِّي لإِيفادِهِ إلينا مُمثِّلاً عنهُ سعادة الأستاذ عبد اللَّطيف الزين المحترم، وَأَتوجَّهُ بِالشُّكرِ عَينِهِ مِن دولةِ رئيسِ مجلس الوزراء الأستاذ تمَّام سلام لإِيفادِهِ إلينا مُمثِّلاً عنهُ معالي الوزير سمير مقبل المحترم. وَالشُّكرُ كلُّ الشُّكرِ لإِخوانِي الأَساقفةِ وَرُؤساءِ الكنائِس السَّامي احترامهم الَّذين شَرَّفُونِي بِحُضورهِم وكرَّمونِي بأُخوَّتِهِم، وَهُم الَّذين أَحملُ مَعهُم ثِقلَ النَّهارِ وَحَرَّهُ في الرِّسالةِ المَوكُولةِ إِلينا مَعًا بِاسمِ الرَّبِّ يسوعَ المسيح. وبالشُّكرِ الخالصِ أيضًا أَتوجَّهُ من أَصحابِ الفخامةِ وَالدَّولةِ والمعالي والسَّعادةِ وسُفراءِ الدُّولِ والقناصلِ ومن السُّلطاتِ القضائيَّةِ والمراجع المدنيَّةِ والقياداتِ العسكريَّةِ كافَّةً لِتَشرِيفِهِم إيَّانا بِحُضُورِهِم المُحبِّ. ومن صميمِ القلبِ أَشكرُ قُدسَ الآباءِ الرُّؤساءِ العامِّين والرَّئيساتِ العامَّاتِ لِلرُّهبانيَّاتِ العزيزةِ والرُّهبانَ والرَّاهباتِ وَكهنةَ الأَبرشيَّةِ جميعًا وَسائرَ الكهنةِ الأعزَّاءِ، الَّذينَ يَنضَوُونَ معنا تحتَ نِيرِ الرِّسالةِ في رِعايةِ شَعبِ اللهِ وخلاصِهِ. كما أَشكرُ أَبناءَ أَبرشيَّتِنَا وَبَناتِها الَّذينَ تَحمَّلُوا مَشقَّةَ الإِتيانِ من قريبٍ أَو مِن بعيد، وَافِدِينَ من الرَّعَايَا كافَّةً، مَدينة وَمناطِقَ، ليُصلُّوا معنا ومن أَجلِنا في هذه المُناسبةِ الرُّوحيَّةِ المُباركةِ. فَلَهُم منِّي أَدعيَةٌ مستمرَّةٌ قدَّمتُها من أَجلِهِم وأقدِّمُها كلَّ يومٍ إلى الرَّبِّ يسوعَ المسيحِ لِيُكافِئَهُم خيرًا عن محبَّتِهِم وَحُسنِ صَنِيعِهِم أمامَ اللهِ والنَّاسِ.

 

وَإِذْ أَقِفُ اليومَ أَمامَكُم في حَضرةِ إِلهِي وَمُخلِّصِي يسوعَ المسيحِ الَّذي دَعَانِي من بَطنِ أمِّي لأكونَ بِاسمِهِ في صفُوفِ رُعاةِ شعبِهِ المُقدَّسِ، وَأَستحضِرُ خمسةَ وعشرِينَ عامًا مرَّت على رِسامَتِي الأسقفيَّةِ في الثَّالثِ من آب سنة 1991، في كنيسةِ الصَّرحِ البطريركيِّ في الدِّيمان، وإحدَى وخمسينَ سنة انقَضَت على رِسَامتِي الكهنوتيَّةِ في هذه الكاتدرائيَّةِ بالذَّات في الخامسِ من حزيران عام 1965، أَرفعُ لهُ آياتِ الشُّكرِ لاختيارِهِ شَخصِي الضَّعيف مُوَالِيًا عليَّ فِي كلِّ يومٍ أَنعُمَهُ وَعَطايَاهُ، وَسَاكِبًا عليَّ هِبَاتٍ لا أَستحقُّهَا. وَأَسألُهُ أَمامَكُم أَن يُجدِّدَ عَزِيمتِي لأَستمرَّ في خدمتِهِ بِالسُّبُلِ الَّتي يُريدُ حتَّى أُسلِّمَ لهُ الأمانةَ الَّتي أَحملُها بِاسمِهِ معَ الرَّمقِ الأخيرِ، كما أَسألُهُ أَن يََرحَمَ ضعفِيَ وَيَغفرَ لي كلَّ خطيئةٍ تعلَّمتُ منها أنِّي لا أَستطيعُ أَن أَكونَ قويًّا، بِحسبِ قَولِ بولسَ الرَّسولِ، إِلاَّ بذلك الَّذي يَرحَمُنِي وَيسندُنِي وَيُقوِّينِي، لهُ المجدُ مَدَى الدُّهُورِ.

 

وَأُقرُّ أَمامَكُم بِصدقٍ وإخلاصٍ إنَّني منذُ تَفتَّحَت عَينَايَ على الدُّنيَا، وَرحتُ أتلَمَّسُ في خَوَاطرِي مَعنَى الوُجُودِ، شغِفتُ بِيَسوعَ المسيح، لِعظمةِ المَشرُوعِ الإلهيِّ الَّذي أَطلقَهُ في الكَونِ وهو القائمُ، بِحسبِ رَسُولِ الأُممِ وحسبِ ما جاءَ بِخاصَّةٍ في رِسالتِهِ إلى أَهلِ أَفسس، على أَن «يَجمعَ في الزَّمنِ المُؤَلَّهِ تَحتَ رَأسٍ واحدٍ كلَّ شيءٍ، ما في السَّماواتِ وما على الأرضِ» (أفسس 1، 10). وقد ذَهبَ أَيضًا في هذا الاتِّجاهِ يوحنَّا الإِنجيليُّ الرَّسُولُ الَّذي سَلَّطَ أَضواءَ الوَحي على مَعنَى مَوتِ المسيحِ وَفِدائِهِ العظيمِ لِجِنسِنَا البشريِّ، حينَ ذَكَرَ عن رئيسِ الكهنةِ اليهودِ قيافا قَولَهُ إِنَّ مَوتَ يَسوعَ سيَكونُ فِداءً للأمَّةِ، لكنَّ يُوحنَّا أَضَافَ قائلاً: «إنَّ هذا المَوتَ لَم يَكُن من أَجلِ خلاصِ الأمَّةِ وَحَسب، بَلْ لِيَجمعَ أَبناءَ اللهِ المُشتَّتينَ إِلى واحدٍ». فَمَشرُوعُ المسيحِ إِذَن هُو مَشرُوعٌ تَوحِيديٌّ لأَبناءِ الآبِ، أَفرادًا وَشُعُوبًا من كلِّ أُمَّةٍ وَدِينٍ، تحتَ رَايةِ الرَّحمةِ الإلهيَّةِ ومع اكتمالِ المَلكُوتِ الَّذي هُو مَلكوتُ المحبَّةِ والعدلِ والصُّلحِ والسَّلامِ وَالمُساواةِ في الإِنسانيَّةِ بَينَ جميعِ الَّذينَ خَلَقَهُم رَبُّهُم ليكونُوا أخوَةً فيما بَينَهُم وَأَبناءً لأبِيهِم الواحدِ الَّذي في السَّماءِ. وَإِنَّ هذا المَشرُوعَ يَقُومُ أَيضًا في نَقلِ البشريَّةِ من حالةِ الانقسامِ الَّذي يُؤدِّي إِلى المَوتِ، إِلى حالةِ الوحدةِ في التَّنَاغُمِ، تلك الَّتي تُؤدِّي إِلى بَهاءِ الحياةِ.

 

هكذا أَدرَكَ بُولسُ الرَّسُولُ فَدَاحَةَ الشَّرخِ القَائِمِ في زَمانِهِ بينَ اليهودِ والأممِ، مُعلِنًا إنَّ اللهَ يَتَخطَّى هذا الشَّرخَ لِيَجعلَ من القَريبِينَ وَالبَعِيدينَ وَاحدًا بالمسيحِ يسوعَ. وما يَقُولُهُ بولسُ عن هذا الانقسامِ المَرفُوضِ، يُردِّدُهُ كلُّ مُؤمنٍ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ عن أيِّ حالةِ انقسامٍ بينَ النَّاسِ، لأنَّ رَبَّهُم يََدعُوهُم إلى التَّقارُبِ وَالتَّعارُفِ وَالتَّفاهُمِ تَحتَ رَايةِ الآبِ الواحدِ الَّذي في السَّماءِ. وهكذَا فَإِنَّ الانقساماتِ الحديثةَ الَّتي عَانَت منها البشريَّةُ بَينَ شَرقٍ وَغربٍ، وَاستَمَرَّت نَحوَ قَرنٍ من التَّاريخِ لم تَكنْ البتَّة مِن صنعِ اللهِ. وَمِثلُها الانقساماتُ الَّتي نَعرفُهَا اليومَ وَنُعانِي منها في بِلادِنَا وَبِخاصَّةٍ في منطقةِ الشَّرقِ بِرُمَّتِها. فَهي لا يُمكِنُ أَيضًا أَن تَكُونَ ثَمرَةَ إِرادةٍ إِلهيَّةٍ علَينا، بَلْ العَكسُ هُو الصَّحيحُ. لأَنَّ اللهَ لا يَقبَلُ لأَبنائِهِ مِثلَ هذا المَصيرِ وَلا يَرضَى بِأَن يُقَتِّلَ بَعضُهُم بَعضًا كَمَا هُم فَاعِلُونَ، وبِخاصَّةٍ إِذا كانُوا بِمُجمَلِهِم أَبناءَ منطقةٍ وَاحدةٍ وَبلدانٍ واحدةٍ وَأَديانٍ وَاحدةٍ. فَمَا بَالُ قَادَةِ الأَرضِ لا يَفقَهُونَ أَنَّ مَشيئةَ اللهِ لَيسَت في عَزلِ النَّاسِ عَن النَّاسِ وَلا في تَقطِيعِ الأَرضِ لِلطوَائفِ وَالمَذَاهبِ بِحَيثُ لا يَقبلُ أَحدٌ مِنهُم أَحدًا وَلا يَتَعايَشُ مَعهُ وَلا يَتَعَارَفُ وَإِيَّاهُ أَوْ يَتَعاوَنُ على البِرِّ وَالتَّقوَى؟ هَلْ هذا هُو مَعنَى التَّارِيخِ بِأَن تَتَفتَّتَ الشُّعُوبُ وَتَتدَمَّرَ، أَمْ إِنَّ مَعنَاهُ يَتمُّ في التَّلاقِي بِاسمِ الحَضارَةِ الجَامِعَةِ على أَن يُترَكَ أَمرُ الحَسمِ في جِدَالاتٍ عَقائِديَّةٍ مُزمنةٍ ولا طائِلَ تحتَها للهِ وَحدِهِ، كما يَشَاءُ وَسَاعةَ يَشَاءُ؟ إِنَّنا نَدعُو إِزَاءَ مَا يَجرِي مِن حُرُوبٍ دَامِيَةٍ في مَنطقتِنَا إِلى وَقفِ القِتالِ ِفَورًا وإِلى رَميِ السِّلاحِ وَالعَودةِ إِلى لُغةِ الحِوَارِ وَالعقلِ بِغيَةَ تَثبِيتِ التَّعايُشِ الدِّينيِّ وَالتَّسامُحِ المَذهبِيِّ في العَالَمِ بِأَسرِهِ وَاستِعادةِ طاقاتِ الحُبِّ وَالمَودَّةِ وَالصَّفاءِ وَالثِّقةِ المُتبادَلَةِ بَينَ الجميعِ.

 

على هذه النِّيَّةِ كانَت اليومَ ذَبِيحَتِي وَقُربَانِي، وَلإنقاذِ المَعنَى لِحَياتِنَا وَلِجِيلٍ كامِلٍ مِن أَبناءِ عُمرِي مِمَّن أَفنَوا أَيَّامَهُم في الخِدمةِ، لَعلَّ بعضَ أَثرٍ طيِّبٍ يبقى لِخِدمَتِهِم فِي الأَرضِ وَفِي السَّماءِ. وَنَحنُ الَّذينَ عَايَشنَا بِدَايَاتِ استقلالِ لُبنانَ وَمِمَّن يُعيِّدُونَ يُوبِيلاتِ أَعمَارِهِم الوَاحد تِلوَ الآخر، فَلْنَطلبْ مِن اللهِ رَحمةً بِأَلاَّ نَرَى مَا حَلمنَا بهِ مَع شُرُوقِ شَمسِ حَيَاتِنا يَتبَدَّدُ لا سَمَحَ اللهُ مَع اقترابِها من الغُرُوبِ. بَلْ نَعمَلُ وَنُصلِّي مِن أَجلِ تَثبِيتِ هذا الوطنِ الرِّسالةِ مُتخَطِّينَ كلَّ حِسَاباتِنَا وَصَغَائِرِنَا فَلا تَتَعرَّض تِلكَ الحَلَقةُ من عمرِ الوطنِ إِلى أن تَنكَسرَ في زَمَانِنَا وَحتَّى على أَيدِينَا فَتَقعَ عَلينَا من جرَّائِها دَيْنُونةٌ رَهِيبةٌ.

 

وَلنُدرِكَ إدرَاكًا كامِلاً وَشَاملاً، بِأَنَّ وَطنَ العَيشِ المُشتركِ وَوَطنَ رِسَالةِ الحرِّيَّةِ وَالمُسَاوَاةِ في المُوَاطَنَةِ يَفترضُ الشَّراكةَ الحَقَّةَ وَالكاملَةَ في صُنعِ المَصِيرِ، كمَا في مُجرَياتِ الحياةِ. فَلا نَخافَنَّ مِن هذه الشَّراكةِ بلْ نَطلبُهَا جميعًا وَنُحيِّيهَا لأَنَّنا بذلك نَضمنُ وَطنَنَا وَذوَاتنَا، وَنُسهِمُ في تَقدُّمِ المنطقةِ والإِنسانيَّةِ نَحوَ الأَفضلِ وَالأَرقَى. عِندَذاك، لَن يَبقَى وَطنُنا يَومًا وَاحدًا وَليسَ سَنَتَينِ وَأَكثَر مِن دُونِ إِنجَازِ أَيِّ استحقَاقٍ دُستُوريٍّ كبيرٍ، فَيَستَعِيدَ بِذلكَ كرَامتَهُ بَينَ الدُّوَلِ، وَحَقَّهُ فِي الإِسهَامِ بِمَصَائرِ الشُّعُوبِ.

 

وَفِي الخِتَامِ، أَعُودُ إِليكُم يَا صَاحِبَ الغبطةِ لأَقُولَ إِنَّكُم في هذا الوَطنِ وَفِي هذه المنطقةِ تَحمِلُونَ مشعلَ الرَّجاءِ بِالخَلاصِ وَبِالقيامةِ وَالسَّلامِ. ونَحنُ مَعكُم في هذا الرَّجاءِ الَّذي لَن يخزِيَ أَصحابَهُ أَبدًا. بِهَذا المَنحَى وَحدِهِ سَنَصِلُ إِلى العِيدِ وَإِلى يُوبِيلٍ يَكُونُ لِلأَرضِ كلِّها لِمُصَالَحَتِها مَع اللهِ وَتَلاقِي شُعُوبِهَا تَحتَ رَايَةِ الأُخوَّةِ النَّابِعةِ مِن الإِيمانِ بِاللهِ الوَاحدِ، وَبِالإِنسانيَّةِ الواحدةِ وَبِالمَصِيرِ الواحدِ، وَللهِ المَجدُ أَبدًا وَالشُّكرُ مِن الآنَ وَإِلى الأَبدِ. آمين.