About Uls

وسام القديس غريغوريوس الكبير من البابا فرنسيس للدكتور أنطوان سعد

Wednesday 01 Nov 2017
  وسام القديس غريغوريوس الكبير من البابا فرنسيس للدكتور أنطوان سعد
  وسام القديس غريغوريوس الكبير من البابا فرنسيس للدكتور أنطوان سعد
  وسام القديس غريغوريوس الكبير من البابا فرنسيس للدكتور أنطوان سعد
Share

وسام القديس غريغوريوس الكبير من البابا فرنسيس لأنطوان سعد واحتفال تكريمي له في مطرانيّة بيروت برعاية البطريرك الراعي


منح الحبر الأعظم، قداسة البابا فرنسيس، الأمين العام لجامعة الحكمة و"تيلي لوميير" الدكتور أنطوان سعد ، وسام القديس غريغوريوس الكبير.

 

ورعى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي الإحتفال الذي أقامه رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر في دار مطرانيّة بيروت للموارنة في الأشرفيّة، لتقليد الدكتور سعد الوسام البابوي ممثلًا للبطريرك الراعي وبحضور شخصيّات روحيّة وسياسيّة وقضائيّة ونقابيّة وقانونيّة وآكاديميّة وإجتماعيّة.

 

بدأ الإحتفال بالنسيد الوطني وبكلمة تقديم وتعريف للإعلاميّة جوزفين ضاهر الغول وبتقرير موثّق عن المحتفى به من إعداد " تيلي لوميير"، وبتلاوة رئيس جامعة الحكمة الخوري خليل شلفون البراءة البابويّة الموّقعة من أمين سرّ دولة الفاتيكان الكاردينال بيتر باولي وفيها يُعلن البابا فرنسيس ترفيع أنطوان سعد إلى درجة فارس من فرسان غريغوريوس الكبير مع كلّ الإمتيازات التي تلازم هذه الدرجة ،

 

ثمّ ألقى المطران مطر كلمة جاء فيها:

 

أيُّها العزيز أنطوان،

 

يسرُّني كلّ السُّرورِ أن أُعلِّقَ اليومَ على صَدرِكَ وسامًا بابويًّا رفيعًا هُو «وسام البابا القدِّيس غريغوريوس الكبير بِرتبةِ فارس»، وقد منحَكَ إيَّاهُ قداسةُ البابا فرنسيس تقديرًا لِعطاءاتِكَ الوَفيرةِ والمتنوِّعةِ في خدمةِ الكنيسةِ وفي خدمةِ الإنسانِ في وَطنِنَا العزيزِ لُبنانَ.

قبل أن أَلتَقيكَ في إطارِ كاريتاس لُبنان الَّتي انتُخِبتَ رئيسًا لها منذُ ما يُقاربُ الثَّلاثين عامًا، لم أكن أعرفُكَ تَمامَ المعرفةِ؛ إِلاَّ أنِّي كنتُ أعرفُ عنكَ وكنتُ أَسمعُ أَنَّك رجلُ الهمَّاتِ والرُّؤى ورجلُ السَّعي الدَّؤوبِ نحوَ الأفضل. لكنِّي بعد أن خبرتُ العملَ معكَ في إطارِ هذه المؤسَّسةِ الخيِّرةِ المعطاءِ، والَّتي كانت وتبقى فَخرَ الكنيسةِ في لُبنانَ، تَسنَّى لي أن أقدِّرَ فيك عظمَ مَحبَّتِكَ لهذه الكنيسةِ الَّتي هي أمُّنا جميعًا واندفاعَكَ غيرَ المحدودِ في سبيلِ بُنيانِهَا ورَفعِ شأنِهَا في مُختلفِ الحقولِ والميادين.

لقد دَفَعتكَ هذه المحبَّةُ بَادئ ذي بدءٍ إلى التماسِ طريقِ الكهنوتِ فدخلتَ المدرسةَ الإكليريكيَّةَ الصُّغرَى حيثُ لم أَلتقِ بكَ لأنِّي كنتُ قد سبقتُكَ إلى دراساتي اللاَّهوتيَّةِ في الإكليريكيَّةِ الكُبرَى في بيروتَ. لكنَّك تلقَّيتَ بعدَهَا إلهامًا من اللهِ قَادَ بكَ إلى خدمةِ الكنيسةِ في صُفُوفِ العلمانيِّين، إيْ إلى الخدمةِ الَّتي أَظهرَ بَهاءَها المجمعُ الفاتيكانيُّ الثَّاني عبرَ التَّعاليمِ الَّتي أعطاهَا عن الكهنوتِ العامِّ لجميعِ المؤمنين. لقد أكَّدَ هذا المجمعُ أنَّ العلمانيِّينَ يَحملُونَ رسالةَ تقديسِ العالَمِ عبرَ نشاطِهِم في وَسطِهِ، كما يُقدِّمُونَ حياتَهُم وأعمالَهُم قَرابينَ محبَّةٍ مقرونةٍ بِقربانِ المسيحِ من أجلِ فِداءِ الكونِ، وهم يُساهمُون أيضًا مع الإكليروس في إدارةِ الكنيسةِ بِصُورةٍ مباشرةٍ.

لقد أَظهرتَ منذُ مُرُورِكَ في المدرسةِ الإكليريكيَّةِ الصُّغرَى تَوَثُّبًا خاصًّا نحوَ الخدمةِ. فلَمَعتَ بينَ أَقرانِكَ في مجالِ الحركةِ الثَّقافيَّةِ والرُّوحيَّةِ الَّتي مَيَّزتكَ على الدَّوامِ. هكذا، وعلى سبيلِ المِثالِ، أسَّستَ وأنتَ بعدُ بينَ جدرانِهَا، وبالتَّكاتفِ مع بعضِ أَقرانِكَ ومنهم أولئكَ الَّذين صارُوا اليومَ، المطران منير خيرالله، والمطران الياس سليمان ومعالي الوزير الأستاذ بيار رفول. فكَم تَحلُو لك ولنا هذه الذِّكرياتُ لأنَّها تَنمُّ عن رُوحٍ مُتوقِّدةٍ عندكَ وعندَهُم، وعن غيرةٍ للرَّبِّ وللوطنِ تستطيعُ أن تَفعلَ فعلَهَا في تَقويَةِ الإيمانِ والرَّجاءِ والمحبَّةِ في كلِّ آنٍ. وما إنْ وصلتَ إلى ملءِ المسؤوليَّةِ في الحياةِ حتَّى تشعَّبَت اهتماماتُكَ ولَو ضمنَ رُوحٍ معطَاءَةٍ واحدةٍ. فدرستَ القانونَ إلى أن حمَلتَ فيه شهادةَ الملفنةِ، وانطلَقتَ مُحاميًا تُدافعُ عن قَضايَا النَّاسِ ثمَّ مُعلِّمًا له في إطارِ جامعةِ الحكمة الَّتي وَاكبتَها منذُ كانت مدرسةً عُليَا للحقوقِ في بَيروتَ، وبعدَ انتقالِهَا إلى فرن الشبَّاك دَوحَةً جامعيَّةً وَارفةَ الظِّلالِ بكلِّيَّاتِهَا السَّبع، وَصرتَ أمينَ سرٍّ عامٍّ لها بكلِّ جدارةٍ وامتيازٍ. فكانَ هذا الخطُّ البيانيُّ الوظيفيُّ في حياتِكَ مُعبِّرًا عن حُسنِ اهتمامِكَ الخاصِّ بِعَائلتِكَ وتَحمُّلِكَ مُجملَ أَعباءِ الحياةِ. وَهَلْ لي في المُناسبةِ أَن أُهنِّئكَ على هذه العائلةِ العزيزةِ وعلى شريكةِ حياتِكَ الَّتي تَسيرُ جَنبكَ في عَملِ عَطاءٍ ثقافيٍّ خيِّرٍ وعلى أولادِكَ الَّذين يَلمعُونَ في الدِّراسةِ كما سَيَلمعُونَ بِإذنِهِ تَعالَى في المُستقبلِ.

أَمَّا الخطُّ البيانيُّ الثَّاني في حياتِكَ وهُو الخطُّ التَّطوُّعيُّ فقد تَشعَّبَ في اتِّجاهَين أَساسيَّين. الاتِّجاهُ الأوَّلُ كان في التِزَامِكَ العملَ ضمنَ كاريتاس لبنان، والاتِّجاهُ الثَّاني كان أَيضًا في التِزَامِكَ ضمنَ مُؤسَّسةِ «تيلي لوميار»، الَّتي صرتَ أيضًا أَمينًا عامًّا لها ومُستشارًا قانونيًّا في هيئةِ إدارتِهَا العزيزةِ. في كاريتاس لبنان، طلبَ منِّي مجلسُ البطاركةِ والأساقفةِ الكاثوليك في لُبنانَ بِرسالةٍ خطِّيَّةٍ تَسلَّمتُها مع تَسلُّمي مرسوم قُبُولِي كرئيسٍ مُنتخَبٍ للمؤسَّسةِ، أن أقترحَ لهُ تَعيينَكَ كَمُديرِ إدارةٍ لها لِتَتسلَّمَ مَسؤوليَّاتِكَ إلى جانِبِي في انطلاقةٍ للمؤسَّسةِ جديدةٍ. لقد أَكبَرتُ لكَ هذه اللَّفتةَ الخاصَّةَ حِيَالَكَ من أَصحابِ الغبطةِ إِذْ لَم يكن مَوقفُهُم هذا سوى علامة تقديرٍ مُميَّزٍ لكَ ولِمَواهبِكَ العلميَّةِ والإداريَّةِ ولاستقامتِكَ الشَّخصيَّةِ على حدٍّ سواء. وهكذا تَعَاونَّا معًا على مَدَى ثلاثةِ أعوامٍ كانت من أَقسَى سنواتِ الأحداثِ في لُبنانَ؛ إِذْ اندلَعَت فيها حربٌ من أَقسَى الحروبِ وكان ذلك بينَ أَبناءِ الدِّينِ الواحدِ والمنطقةِ الواحدةِ. فنَهَضَت كاريتاس لِلعملِ دونَ أن تعرفَ التَّوقُّفَ لا ليلاً ولا نهارًا لتُخفِّفَ من آلامِ النَّاسِ وتهتمَّ بِتَرميمِ بيوتِهِم الَّتي وَصلَ عددُ ما تَرمَّمَ منها إلى حَوالي ستَّةِ آلاف مسكنٍ. وقد شيَّدنَا بناياتٍ كثيرةً وأَسكنَّا فيها عائلاتٍ مُهجَّرةً وَصلَ عددُهَا إلى حَوَالي 400 عائلةٍ.

في كلِّ هذا العملِ كنتَ حاضرًا معنَا وفاعِلاً. وكنتَ مع رفاقِكَ من المُعَاونينَ تَقضِي اللَّيالِي والأيَّامَ في المركزِ العامِّ لِلمؤسَّسةِ دونَ أن تعودَ إلى بَيتِكَ وذلكَ لنقُومَ معًا بالواجبِ ولا نُقصِّر تجاهَ أحدٍ كانَ يطلبُ منَّا مساعدةً ومن أَيِّ نَوعٍ كانَ. أمَّا في مؤسَّسةِ «تيلي لوميار»، الَّتي من أجلِ العملِ فيها مجَّانًا لِمدَّةِ خمسٍ وعشرين عامًا طلَبنَا لكَ هذا التَّكريمَ، فكنتَ منذُ بِدَاياتِهَا خَادمَهَا الأمينَ وما زلتَ حتَّى يَومِنَا هذا. وإنَّ لكَ الحقّ بِاعتبارِ عَملِكَ في هذه المُؤسَّسةِ ومُوَاكبَتِكَ إِيَّاهَا منذُ التَّأسيسِ، وكأنَّهُ إنجازُ العُمرِ. لقد كنتَ مع حضرة الأخ نُور منذُ الأيَّامِ الأولى تَعملُ وتساعدُ في الإدارةِ، مع حفنةٍ من المُغَامِرينَ الَّذين تَحدَّوا كلَّ الصُّعُوباتِ وأَعطَوا الكثيرَ من مالِهِم ومن وَقتِهِم لإطلاقِ هذا المَشروعِ الَّذي أَصبحَ اليومَ يَضمُّ عددًا من الفَضائيَّاتِ وبرامجَ تبثُّ عبرَ الإنترنت لِتُغطِّي الكرَةَ الأرضيَّةَ بِأَسرِهَا. لقد بدأتَ مديرًا لهذه المحطَّةِ في أيَّامِهَا الأولى وتَحوَّلتَ إلى عضوٍ في مَجلسِهَا وإلى أَمينٍ عامٍّ لها وإلى مُستشارِهَا القانونيِّ وَوَاضِعِ أَنظمتِهَا وَمَسؤولاً عن علاقاتِهَا مع الكنيسةِ. إنَّ هذه المحطَّةَ الَّتي وَصلَت بينَ لُبنانَ وكلِّ بُلدانِ الانتشارِ الَّتي استقرَّ فيها أَبناؤهُ والَّتي صارَت رَسُولةً للكنيسةِ اللبنانيَّةِ وعُنصرًا من عناصرِ إنجازاتِهَا في حَقلِ الإعلامِ والتَّربيةِ والثَّقافةِ، لَهيَ مَدينةٌ لكَ ولتضحياتِكَ من أجلِها كلَّ هذه السَّنواتِ. فحقٌّ لك هذا التَّكرِيم من قِبَلِ قداستِهِ ونحنُ كلُّنا فَرَحٌ بهِ وبِخاصَّةٍ لأنَّكَ لم تَعمَلْ من أجلِهِ بلْ لِمجدِ اللهِ وبُنيَانِ بِيعَتِهِ المُقدَّسةِ. كنتُ أَودُّ أَن أكمِلَ تعدادَ أَعمالِكَ وخدماتِكَ في الكنيسةِ ومن أجلِهَا، لكنَّ الوقتَ لا يسمحُ بذلكَ ولأنَّ النَّاسَ تعرفُ عنكَ كلَّ هذه المَآثر. إلاَّ إنِّي أذكرُ ممَّا أذكرُ تَولِّيكَ أمانةَ سرِّ اللَّجنةِ الأسقفيَّةِ للحوارِ الإسلاميِّ-المسيحيِّ في بدايةِ انطلاقِهَا. كما أذكرُ تَعيِينَكَ في لِجانِ الإعدادِ «لسينودس الأساقفةِ من أجلِ لُبنانَ»، وقد تسلَّمَ مَشروعَ تَحضيرِهِ سيادةُ المطران بشارة الرَّاعي أسقفُ جبيلَ آنذاكَ قبلَ أَن يَحملَهُ الرُّوحُ القُدسُ وسينودسُ الكنيسةِ المارونيَّةِ المُوقَّرُ إلى السُّدَّةِ البطريركيَّةِ المُوقَّرةِ؛ كما أذكرُ أيضًا إسهامَكَ في أَعمالِ سينودس الكنيسةِ المارونيَّةِ المُقدَّسِ الَّذي أَرَدناهُ تَجديدًا للمجمعِ اللبنانيِّ الَّذي انعقدَ في العامِ 1736. هذا بالإضافةِ إلى الكُتُبِ العديدةِ الَّتي وَضعتَ والمحاضراتِ والنَّدواتِ الَّتي ألقيتَهَا أو شاركتَ فيها على مَدَى كلِّ هذه السَّنواتِ.

كلُّ ذلك قُمتَ به أيُّها العزيزُ أنطوان بِغَيرِ منَّةٍ وَلِوجهِ اللهِ ولأنَّك ابنُ هذه الكنيسةِ وَرَسولٌ من رُسُلِها إلى حضاراتِ العالَمِ. لهذا أَوفاكَ قداسةُ البابا بِتقديرِهِ الجميل لِعملِكَ ونحنُ مِن وَرائِهِ نقولُ اليومَ لكَ مع كلِّ الأعزَّاءِ أنَّكَ مُستحقٌّ وَمُستَأْهلٌ. ونفخرُ بكَ وبِعَطاءاتِكَ وأنَّكَ لَمُكمِّلٌ هذه العطاءاتِ طالَمَا خَفقَ لكَ قلبٌ وحَطَّ في يَدِكَ قلمٌ وَتَوَارد فكر إلى ذهنِكَ نحوَ المستقبلِ الَّتي أَبَيتَ أن تَسكنَ رُوحًا إِلاَّ فيهِ. أَلاَ رَعَاكَ الرَّبُّ بِعَينِ عِنايتِهِ «وحفظَ ذهَابَكَ وإِيَابَكَ» كما يقولُ الكتابُ. وشكرًا لإصغائكم.

 

معالي الدكتور سليم الصايغ

 

وكانت كلمة للوزير السابق الدكتور سليم الصايغ جاء فيها:

نصب خيمة العهد حيثما حلّ، وسكن فيها أنّى سكن، هو ينتمي الى :"الآن" والى "الأبدية" في آن، كما هو في آنٍ "هنا" و"هناك" و"هنالك"، والسرٌ في ذلك أن لا تفسير لمواقيت الله إلا بالمواعيد، وأنطوان سعد هو دائماً على الموعد في الزمان وفي المكان وفي الزمان- المكان قدره، لا بل دعوته، هو نقل الخبر السار، ليصحّ به لقب فوق كل ألقابه، من الدكتور الى الأمين العام، الى المدير العام، والخبير والمنسّق والمعلّم والإعلامي، هو لقب أنطوان سعد البشير. يحمل بشارته من دون ضوضاء أو أضواء طقوس إيمانه نمط حياة، عنوانها العطاء من دون انتظار أومبادلة، لهجه بالصلاة، خفق في قلب، شعاره الرحمة بوجه اللامبالاة، عزيمته بالشدة قوس محبة، ألوانه من جمال الروح وتنوّع بشائرها، إحاطته بالأمور على سعتها ووسعها، فيها من وداعة المبتدئ، ورصانة العارف، وهو المدرك أن رأس المعرفة مخافة الله. هو إبن الأبيض المتوسّط، كما انتماؤه الى أرض الجبل الأصيلة،فبالأبيض لوّن كفه وصان لسانه وصقل فكره ووبالمتوسّط الأوسط، هذّب أصول اللقاء، وشذب أداب الحوار، ورفع بخور الإلتقاء...

مع أنطوان سعد، لا حتمية تاريخية مادية، ولا حتمية جغرافية آسرة، إنما حتمية واحدة رحبة، هي في الشوق الى التآلف، والإنحياز الى التعاطف، وتغليب المحبة في كل شيء ومع كل الناس...

ومن الأبيض المتوسّط الأوسط الى أرض الجبل الأصيل، الى لبنان، وقف الله على الأرض، حيث أسقط الخالق أنطوان البشير كحبة الحنطة في أرض خصبة، فأصبحت العالمية توأماً للمارونية الحق، كما أن المارونية عند أنطوان عالمية، كاثوليكية، جامعة ورسولية، فاضلة ورحيمة...

وتأتي بالتزام أنطوان البشير بكرامة الانسان في مشروع الوطن اللبناني، تجسيد لعمل الروح وتحضير لعروس المسيح، وتنقية لطريق الزفاف الأبدي يوم القيامة...

رافق أنطوان البشير كبارا مستحقين، وهو شاهد مشهود له على مآثرهم، شاهد في الظل عندما لا يسمح له تواضعه أن يشهر شراكته معهم...

جليس البطاركة والأساقفة والرهبان والنساك، أصحاب القلوب الذهبية، وهو صديقهم الصادق لا المصدّق، الواعظ بصمته والحاسم بإيمانه والقوي بوداعته...

وهو كذلك اليف الابداع والاقدام والحداثة، في غاية من النمطية والرجعية والتقليد، فبنى على الأثير جسوراً للعبور المتجدد، من الإعلام المرئي والمسموع، وخاصة ال تيلي لوميار كما في الصحافة المكتوبة التى أغناها بمعلقات فكرية تتدفّق كالأنهر أيام الحصاد...

في صولاته وجولاته، في كرزه وأفعاله، (يجلس) أنطوان البشير في قلب السكينة حيث الحركة الدائمة، وهو عندما ينظر اليك بحيرة، تخاله مرتبكاً، متسائلاً مسكوناً بالشك... واللاقرار...

ولكنك عندما تسبر أغوار نظرته اليك، ترى تماماً عكس ذلك، أنها نظرة يسوع المسيح في عيون متى الرسول كما جاء في الكتاب المقدّس، "نظر إليه برحمة واختاره" أو ليست هي بالضبط هذه العبارة التي جعلها قدس البابا فرنسيس شعارا له؟ "نظر ... واختاره" فلا نخطئن أبدا قراءة أنطوان...

إن الخيار عنده محسوم دائماً، ومن دون بدائل...

إن حيّرتك نعمه أو لاؤه، فلأنك كمتى العشار والخاطئ...

فاعرف ان عند الرجل النعم نعم: اللا لا...

وهو الذي ترك الروح القدس تقود خطاه، وتسود نهجه، وتبدد شكوكه، وتنقله من يقين الى يقين...

كل ذلك بتواضع الأنبياء وبعزم الرسل وشهادة الأطهار...

وسرّه أنه عرف أن يسأل عن الحكمة منذ صغره وكأني به مع النبي يشوع بن سيراخ يقول "وجّهت قلبي الى امتلاك الحكمة وبالطهارة وجدتها. بها حصلت على الفهم من البدء. فلم أقع في حيرة من أمري، ولأني بحماسة الى السعي وراءها واكتشافها، جوزيتُ خير جزاء. لأن الرب منحني الفصاحة التي بها أسبّح".

 

الدكتور أنطوان سعد

 

كلمة الختام كانت للمحتفى به الدكتور سعد جاء فيها:

” إنَّ من يزرعون بالدموع يحصدون بالتهليل “ في دموع صاحب المزامير هذه ايمان بقضية نجهد في سبيلها ونجتهد، نعيشها دعوة حياة ونحملها رسالة والتزامات.

ننثرها كما الزارع حبات محبة تموت في الأرض على رجاء الحصاد.

هذا الرجاء لا تحددّه مناسبة أو تحدّه محطة وصول، لأنه متماهٍ حكماً وذاك الايمان، ومتواصل حتماً مع تلك الدموع والتضحيات. إنها سلسلة متصلة الحلقات، تتكامل فيما بينها لبلوغ كمالها المطلق...

كمالاً اليه نتوق ونحوه نسير، هكذا أراني في كنيستي، في كرمها المفتوح للعاملين، في كل ساعات النهار، حيث تتداخل مواسم الزرع والحصاد، وتتآلف الدموع والتهاليل، وتتصافح الرماح والمناجل...

وحيث الأوسمة لحامليها بطاقات مسبقة الدفع، تدفعهم الى مضاعفة العطاء إبراء لذمم وتثميراً لوزنات. بهذه المشاعر الطافحة بالعرفان والالتزام المتجدد استقبل هذا الوسام الآتي من خليفة بطرس، تضعه يد محبة في حضرتكم محبين مخلصين، تحيطون بي كإكليل من الصديقين وأنتم من صنعتم بعض هويتي وأسهمتم في إغناء مسيرتي وإضفاء البهجة على مناسبتي، مؤكدين بذلك أن الوسام تحية لجماعة من خلال فردٍ منها، كانت له السند والعضد مبّينة حقيقة الأخوة وصدق الصداقة ومعنى الانتماء. وفي طليعة هذه النخبة المحبة سيِّد منتخب من الله راعياً واعياً وأميناً، استحقته الكنيسة والأبرشية وقد ملأ أجاجينها الى فوق – تعليماً وتقديساً وتدبيراً – وكان لي شرف العمل معه وشغف التعلم منه على مدى مسيرة عمرها ثلاثة عقود. فإلى مار بولس مطراننا كل احترامي والامتنان على ما تكرمتم به بالقول وبالفعل، وعلى وسام يكلل مساراً من العمل معاً كنتم فيه الملهم والموجّه والرفيق والصديق. ..ونستمر.

والى صاحب الغبطة والنيافة مار بشاره بطرس بطريركنا، من خلالكم يا صاحب السيادة، كل الشكر على رعايته هذا الاحتفال تعبيراً عن مودته وثقته، واخلاصاً لصداقة فاقت الثلاثين من السنين ولا تزال على صورته نضرة ودائمة التجدد. واليكم يا أصحاب السيادة الأساقفة محبة خالصة وخاصة لكل منكم، وقد عرفتموني تلميذاً أو رفيق صف أو شريك درب تجمعنا صداقة ورسالة مشتركة عشتها مع كل منكم، على تقاطع مواقعنا والاهتمامات. أمَّا الشكر الأعظم فلقداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، هذا الراهب الذي دعاه الروح الى خلافة بطرس، فقاد كنيسته بروحانية ورسولية، وكان بحق ضميراً في ضجيج هذا العالم وخميراً في عجينه وسراجاً مشعاً على مناراته. فأمام رأس الكنيسة أحني الرأٍس امتناناً لوسامه البابوي ولا أقرأ قراره هذا اقراراً بفضل استحقيته أو تقديراً لعمل أديته، بل دعوة الى انتاج أغزر وأكثر تقديساً للذات وللكون، فيتحقق النمو الناهد الى بلوغ ملء قامة المسيح، معطي المواهب وواهب النعم.

هذه المواهب تسلمتها في عائلة هي بحق كنيسة مصغّرة مع أبوين مناضلين، روحياً وتربوياً وعملياً، أعطياني وأخوي وأختي فوق حدود الذات، ويبقيان لنا – وهما على حدود العمر – ( بعد التكريم توفي والد الدكتور سعد السيد عبده عميد العائلة عن 95 عمًا) مصدر قيم أضاءت بيتنا على مدى قارب السبعين عاماً، قيماً لن نخشى يوماً أن يصيبها ما أصاب جسديهما اليوم من وهن وترهل وانكفاء. وإلى وزنات عائلتي الأم وزنات أخرى ربحتها من عائلتي كأب لإيماني وشريكتي، بأن العائلة مؤسسة أساس، تبنى على صخرتها بيعة الله، وبأن في رسوخها شموخ الكنيسة وفي زعزعتها ضياع المجتمعات واضطراباً يُفقد الانسان ذاتيته والأصالة.

فإلى كل شبابنا اليوم، من خلال أعزائي جوني ومايك وبول، ومن خلال الآلاف من طلابي الذين عرفتهم وأحببتهم، دعوتي الى تركيز مفهوم العيلة وتعزيزه في حياتهم، وصيانته في خضم تحولات العصر وتداعيات سلم القيم ... وكل التحديات.

ومن رعيتي وزنات أخرى ربحتها أيضاً حاولت تثميرها في حراك متنوع الاتجاهات وفي حركات رسولية متعددة المطارح، وهي التي انطلقت من صفوف فرسان العذراء في رمحالا لتقودني بعد نصف قرن الى صفوف فرسان القديس غريغوريوس الكبير.

وكما في الرعية كذلك في المدرسة – مدرسة الفرير، مربية الأجيال-وفي الأكليريكية حاضنة الدعوات -وللدعوات عنده منازل كثيرة – وفي الجامعة حيث تجتمع المبادئ والمعارف والاختلافات. ولجامعتي الحكمة في حياتي مساحة حب واسعة باتساع السنين الخمسة والثلاثين التي قضيتها فيها أستاذاً ثم أمينا عاماً – وكذلك في العمل الإداري والاستشاري والمهني، ففي كل هذه المراحل تتداخل أصالة الانتماء واصول الممارسات وتتواصل مع الناس والأحداث وتنتج شهادات حية تعطي للحياة معناها وغناها والابعاد.

أما خدمتي في الكنيسة التي يصعب فصلها عن خدمتي في المجتمع، فأرى فيها ترجمة لعقيدتي، وتحقيقاً لمحبتي النابعة من قلب الرب، محبة لا تقعد أو تتقاعد بل تفعل وتتفاعل في الكنيسة ومعها، تأخذ منها وتعطيها، في سر علاقة دينامية هي على تقاطع بين علاقتي العامودية بالخالق والأفقية بالمخلوقات. هذه الخدمة الكنسية تجلت في مشاركتي في مجامع بابوية في روما، ومجالس بطريركية في لبنان وبلدان المشرق، وأبرشية هنا في بيروت، وفي مجلس كنائس الشرق الأوسط، وفي وهيئات ومنظمات وفي لجان عمل وحوار مسيحي اسلامي أغنتني كلها بالتجارب والخبرات، وتستوقفني منها هنا محطتان عزيزتان هما كاريتاس لبنان وتيلي لوميار.

- في الأولى تعلَّمت معنى التطوع وقيمة الالتزام وقد توليت مديريتها منتخباً من مجلس البطاركة والأساقفة وبثقة من رئيسها الخوري بولس مطر – صاحب السيادة – حيث عملنا معاً في أصعب ظروف الحرب ولكن في أفضل أطر التعاون، فكنا نعطي بدون حساب من سفرو عدامو لرمشو، وأحياناً من رمشو عدامو لسفرو فنصل الليل بالنهار جاعلين من ملجأ المؤسسة أحياناً مكان عملنا ومقر اقامتنا واطلالتنا على العالم. إنَّ خدمة الفقراء تغني، وظلمة تلك الليالي تنير ...

وتجعل من كاريتاس منارة يرى الكل نورها ... ويمجدوا الله.

- أما تيلي لوميار تلك” الأعجوبة المستمرة” كما أسميتها، فكم أعتز بكوني واحداً من مؤسسيها مع الأخ نور وحفنة من المغامرين

– وقد قالوا فينا ما قيل عن الرسل الأولين:” إنَّهم قوم سكارى” لأنَّه لم يكن في اليد أكثر من خمسة أرغفة وسمكتين. باسمه ألقينا الشبكة مؤمنين بضرورية المشروع على تعذر تشريعه قانونياً وتعثر تغطيته كنسياً أنذاك.

إنَّ تيلي لوميار الذي ولد في عليَّة تلك العنصرة لأكثر من ربع قرن، أصبح اليوم عنصرة دائمة ملأت الدنيا وشغلت الناس، دخلت بيوتهم والقلوب، وذهبت حتى أقاصي الأرض تنقل “البشرى السارة“، تنادي بها على السطوح” وقد حملتها أجنحة الروح” – تلك التي جعلتها عنواناً لكتابي الجديد بعد خمس وعشرين سنة تيلي لوميار.

وتستمر الأعجوبة من خلال تيلي لوميار وسواها الكثير من المبادرات والمؤسسات التي تستمد زخمها من الكنيسة، ذاك المعين الذي لا ينضب وصلابتها من صخرتها التي تتحدى الجحيم.

 

ويستمر عمل الروح فيها وفينا ومعنا، يجدد كل شيء ويقودنا الى آفاق بعيدة نلاقي فيها الرب الآتي الينا من المستقبلات، وقناديلنا مشتعلة، منتظرين وسامه الأبقى، مرددين في الختام ما ختم به صاحب الرؤيا كتابه: “تعالَ أيُّها الرب يسوع“.