About Uls

جامعة الحكمة وجمعية "لقاء العمرين" في تكريم المطران جورج خضر

Tuesday 02 Jun 2015
جامعة الحكمة وجمعية
جامعة الحكمة وجمعية
Share

لبنان كله شارك جامعة الحكمة وجمعية "لقاء العمرين" في تكريم متروبوليت جبيل والبترون وما يليهما المطران جورج خضر، بدعوة من رئيس الجامعة المونسينيور كميل مبارك في قاعة الإحتفالات الكبرى في جامعة الحكمة في، شارك فيه متحدثًا رئيس أساقفة بيروت وليّ الحكمة المطران بولس مطر ونائب رئيس مجلس النواب سابقًا الأستاذ ايلي الفرزلي وحضره المطران بولس صياح ممثلًا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والمطران كوستا كيّال ممثلا بطريرك الروم الأرتوذكس يوحنّا العاشر يازجي ولفيف من المطارنة والكهنة ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي جان فهد والنائب نضال طعمه ممثلا الرئيس سعد الحريري والنواب الدكتور ناجي غاريوس وغسان مخيبر وحكمت ديب ، وزراء ونواب سابقون ونقيب محرري الصحافة اللبنانيّة الأستاذ الياس عون والأمين العام للجنة الوطنية للحوار الإسلامي المسيحي الأستاذ محمد السماك ورئيس الصندوق الوطني للمهجرين العميد نقولا الهبر وممثلو الهيئات العسكرية والأمنية وفاعليات روحية وسياسية وحزبيّة واجتماعية واقتصادية وتربوية ونقابية.

 

النشيد الوطني افتتاحًا ، وترحيب من رئيس الجامعة المونسينيور كميل مبارك بالمشاركين في هذا التكريم، وقال: عندما قررنا ان نكرّم شخصيات لامعة ، قلنا: اذا الرب أكرمهم، فما هو الذي سنزيده نحن عليهم بتكريمهم"، وقال:أحببنا المطران خضر مطرانا وأحببناه كاهنا ومثقفا ومربيّا، وأحببناه رجل المنطق، وهو يستطيع بكلماته وكتاباته ان يقنعك بما ليس هو مقتنع به ." وقدم المونسنيور مبارك يحيط به أعضاء جمعية "لقاء العمرين" درعا تقديرية وكتاب باللغة الفرنسية للمحتفى به.

 

وتحدث الأستاذ الفرزلي عن مسيرة المكرم، وقال:أن تكرّم جامعة الحكمة، وعلى رأسها اللاهوتي والشاعر الكبير قدس المونسنيور كميل مبارك، مِلفانًا من ملافنة الكنيسة الشرقيّة هو الحبر الجليل المطران جورج خضر، حدث بحجم لبنان الرسالة، في الإيمان والرجاء والمحبّة، ثالوث المسيحيّة، وبسائر الفضائل إختراق الذات الفرديّة إلى الذات النوعيّة، بل إلى ذات المسيح الكونيّة الماثلة في الثالوث. ألم يقل مطراننا الجليل جورج خضر"إن المسيح عرّفني إلى الله"؟ والمسيحية المشرقيّة المشرقيّة لها الباعُ الطولى في إغناء كلمة المتجسِّد ونشرها بين الأمم. والمارونيّة عنوان المسيحيّة المتأنسنة تؤثر في شرق وغرب بمسحة مشرقيّة صافية وتماهٍ بين الدين والوطن والقيم.

 

لغة سيدنا خضر شعرية صافية حتى قيل:...بحق يكتب اللاهوت شعرًا. إنه كان ومازال يعمل لقيامة فلسطسين واسترجاع القدس، وقد ألمه تقاعس العرب عن أداء دورهم المنشود.

 

أقيمت للمحتفى به حفلات تكريم، وقيل فيه كلام إنحاز عن سائر الكلام، منه ب"عاشق المسيح حتى الثمالة".وقيل:"تكتب ذاتك فيه، أو تكتبه فيك".هذا الرجل كتاب، فهل هو نصّ؟ بل هو نصّ ضدّ النصّ، تقرأه قراءة جديدة كلّ يوم من دون أن تكون القرأة التاليّة نقضًا للأولى، أي أنه مساحة للتأويل". أليس هو القائل:"عليك أن ترتقي بمسيحيتك إلى مستوى الحبّ". وقد سميّ "ناسك الكلمة ورسولها المتصوّف في مناسكها".

 

الشكر الكبير أقدّمه إلى لاهوتي وشاعر كبير، هو المونسنيور كميل مبارك الذي وفرّ لنا أن نتحلّق حول المطران الجليل جورج خضر الذي تميّز عمن عداه فكرًا وعمقًا ونبرة.

 

لافت الفرزلي إلى أن المطران خضرمن طرابلس حيث رأى النور ونشأ، الى حواضر لبنان والشرق والغرب، من راهب وشماس الى أرشمندريت الى مطران ودكتور في اللاهوت، كان يؤسّس حركات الشبيبة، وتربع عضوا على سدة مجلس الكنائس العالمي، الى استاذ في الجامعة اللبنانية ومساهم في الحوار الاسلامي المسيحي منذ 1969 "، مشيرا الى ان " لغة المطران خضر شعرية صافية حتى قيل " هو بحق يكتب اللاهوت شعرا."

 

وأدت رونزا ترنيمة من كلمات المطران جورج خضر وألحان سمير طنب.

 

وتحدّث المطران مطر في كلمته عن معلّم هذا جيل، وقال فيه:

 

كنَّا مع سيادته في لقاءٍ رفيعٍ إلى مائدةِ البابا القدِّيس يوحنَّا بولس الثَّاني، أساقفةً مُشارِكين أثناءَ انعقادِ السينودس الرُّومانيِّ من أجل لبنانَ. وبعدَ أن تَداوَلنا الأحاديثَ اللاَّهوتيَّةَ والمسكونيَّةَ وما يتعلَّقُ منها بالحِوارِ المسيحيِّ - الإسلاميِّ في منطقةِ الشَّرقِ الأوسطِ، ما كان من قداستِهِ عندَ تَودِيعِهِ ضيوفَ تلك العشيَّةِ إلاَّ أن تَوجَّهَ من سيادةِ المطران جورج خضر بكلمةٍ شرَّفَتنا جميعًا وأَثلَجَت قُلُوبَنا حينَ سمعناه يقول: «يَا صاحبَ السِّيادةِ لقد تعلَّمتُ منكَ الكثيرَ، في هذا المساءِ».

 

هذا هو المطران جورج خضر، مُعلِّمُ الكنيسةِ، والرَّائِي لِوَجهِ ربِّهِ الَّذي ما التمَسَ في الدُّنيا وجهًا سِوَاهُ، فأحبَّ فيه وجوهَ النَّاسِ جميعًا، أُولَئك الَّذين صوَّرَهُم ربُّهُم في البدءِ على مِثالِهِ والَّذين ردَّ إليهم بهاءَ نفوسِهِم مُتَخطِّيًا معهم وبغيرِ قياسٍ كلَّ بدلٍ عن ضائع. ولقد تابعتُهُ منذُ شَلحَ الرَّبُّ عليَّ نعمةَ الكهنوتِ والأسقفيَّةِ لِخَمسينَ سنة خَلَت. وقرأتُهُ بشغفٍ كلَّما سُنِحَت لي فرصةُ التَّمتُّعِ بقراءته، الغَوصِ في عطايا قلمِهِ، تعبيرًا وعباراتٍ. كما قُيِّضَ لي أن أرافقَهُ بعضَ مشوارِ العمرِ، في جلساتٍ وفي ندواتٍ و في مؤتمراتٍ، وهو يكشفُ كلَّما تكلَّمَ عن سِعَةِ فكرٍ حلَّقَ فيه نحوَ العُلَى، وعن معرفةٍ لاهوتيَّةٍ وناسوتيَّةٍ قلَّ نَظيرُها في هذا الشَّرقِ ومن زمنٍ بعيدٍ.

 

رائعًا كان المطرانُ خضر ويَبقَى في اندراجِهِ اللاَّهوتيِّ الكاملِ، أيْ القائمِ في مزيجٍ من فكرٍ ومن عملٍ. فهو الغائصُ أوَّلاً في أسرارِ الإيمانِ، تلك الَّتي صَيَّرَته علاَّمةً بأمورِ الدِّينِ، والمُذكِّرَ نهجًا بما ذهبَ إليهِ المُعلِّمُ أفلاطون حينَ أَكَّدَ أنَّ العِلمَ لدى بلوغه القمَّة يتحوَّل إلى رؤيا وإلى شعر. وهو المنطلق من اللاَّهوت الأرثوذكسيِّ العريق الَّذي يُواكبُهُ وَحيُ الرُّوح أكثر ممَّا تنتجه صناعة العقل. ألم يتلمَّس بدوره أيضًا توما الأكوينيُّ هذه القاعدة بما اعتاده من صلاة ومن مناجاة لِربِّهِ قبل أيِّ سعيٍ من إيمانِهِ نحو الإدراك البشريِّ. لكنَّ سيادته لم يتعاطَ اللاَّهوتَ من أجل ذاته وحسب. بل عمل بموجب وكالة سُلِّمَ معها أسرار الله لينقلها إلى البشر فَيَحيا منها ويَسعَدُ المؤمنون. ومنذ أن شغفَ شابًّا بيسوع المسيح وتسلَّمَ الكهنوت نعمةً ورسالةً إلَهيَّتَين، أَحبَّ الشَّبابَ وأسَّس لهم حركة ما زالت إلى اليوم محور التَّجدُّد في كنيستهم، على أن يبقى تجدُّدًا في الأصالة ومن الأصالة. كَذا هي كنيسة المسيح. إنها في العالم دون أن تكون من العالم، وإلاَّ لَما بَقيَت له علامةَ خلاصٍ ووسيلةَ تَسامٍ رُوحيٍّ وارتقاءٍ. وإنَّها مناسبةٌ لِنُشِيدَ فيها بالمسيحيَّةِ المشرقيَّةِ ذات التَّقليدِ البيزنطيِّ، الَّتي لا تَتوانَى عن التَّذكيرِ بأنَّ محبَّةَ العالمِ ليست غرقًا فيه ولا حتَّى خدمةً لأهدافِهِ الإنسانيَّةِ وَلَو كبيرة، بلْ هي دعوةٌ لهذا العالمِ أن يَعتنقَ جوهرَ الملكوتِ. لذلك فإنَّ لُعبةَ هذا العالمِ لم تَستهوِ يومًا المطرانَ جورج خضر. فهو ينظرُ إلى الدُّنيا من منظارِ اللهِ، يُحبُّها حتَّى الفداءِ، يسهرُ على حاجاتِها الرُّوحيَّةِ والمادِّيَّةِ ما دامَ الرُّوحُ لها البداية والنِّهاية. وهو يحملُها في حركةٍ صاعدةٍ إلى أن تتحوَّلَ مثلَ الخبزِ إلى جسدِ المسيح. إنَّه صنوُ الأنبياءِ وهذه دعوتُهُم في الأساسُ، أن يَعكسُوا أنوارَ اللهِ على الدُّرُوبِ كلِّها فيسيرَ الجميعُ في النُّورِ، ويُبَادَ من عيُونِهِم كلُّ ظلامٍ.

 

 من هذه القمَّةِ الرُّوحيَّةِ واللاَّهوتيَّةِ أَطلَّ أيضًا المطرانُ خضر على العملِ المسكونيِّ المَعنيِّ بوحدةِ كنيسةِ المسيح. ولقد شكَّلَ هذا الاهتمامُ المحورَ الثَّاني لعملِ سيادتِهِ منذُ أن قدَّمَ المجمعُ الفاتيكانيُّ الثَّاني طروحاتٍ في مُقاربةِ الوحدةِ خارجًا عن الأثرةِ في امتلاكِ الحقيقةِ وبعيدًا عن الأحكامِ الجزئيَّةِ على مُجرياتِ التَّاريخِ. فالمجمعُ الفاتيكانيُّ الجديدُ تَخطَّى النَّظرةَ القانونيَّةَ للكنسيةِ ودَعَا إلى عدمِ التَّوقُّفِ عندَ كَونِها مؤسَّسةً ولو قائمةً بذاتِها. فالكنيسةُ هي شعبُ اللهِ السَّائرُ في العالمِ الرَّاهنِ إلى اكتمالِ حقيقتِهِ في الملكوت. إنَّها نظرةٌ روحيَّةٌ إلى الكنيسةِ قبلَ كلِّ شيءٍ. وكلُّ ما هو روحيٌّ يُحاكِي تطلُّعاتِ المطران خضر إلى جوهرِ الأمورِ. لقد دخلَ سيادتُهُ بقوَّةٍ إلى العملِ المسكونيِّ وهو لا يزالُ فيه رائدًا على أساسِ الحقيقةِ مهما كانت صعبةً وليس على أساسِ التَّأقلُمِ مع ظروفٍ لا تَمتُّ إلى جوهرِ الكنيسةِ بِصِلةٍ. المسكونيَّةُ ليست تجمُّعًا للمسيحيِّين ولو في سبيلِ شهادةٍ أصدق للإنجيل. فالتَّجمُّعُ غيرُ الوحدة. والوحدةُ غيرُ الاندماجِ في قَوَالبَ بشريَّةٍ وقانونيَّةٍ يتَخطَّاها روحُ الإنجيلِ. من هنا الإقرار أنَّ فضلَ الكنيسةِ الأرثوذكسيَّةِ على السَّيرِ في طريقِ الوحدةِ كبيرٌ وكبيرٌ جدًا. ونحنُ بِعودتِنا جميعًا إلى ينابيع الإيمانِ نتنبَّهُ إلى أنَّ الكنيسةَ هي في سِفرِ الرُّؤيَا «كنائس سبع»، وإلى ليتورجيَّاتٍ عديدةٍ ظهرَت منذُ القرنِ الأوَّلِ وَتَمحوَرَت حولَ تقاليدِ كلٍّ من روما وإنطاكية والإسكندريَّة. فالكنيسةُ واحدةٌ برأسِها وبجوهرِ إيمانِها، إنَّما هي كنيسةٌ تتجسَّدُ في كلِّ مكانٍ من أمكنةِ الدُّنيا وتتبنَّى تقاليدَ ثقافيَّةً متنوِّعةً، فيحملُها الإيمانُ الواحدُ والقربانُ الواحدُ إلى شَراكةٍ كاملةٍ بين أبنائها جميعًا. لهذا يُؤكِّدُ سيادةُ المطران خضر حقيقةَ أنَّ الكنيسةَ هي محلِّيَّةٌ مثلما هي جامعةٌ. ولقد تَوَضَّحَت أمامَنا اليومَ صورةٌ عن الوحدةِ المنشودةِ وقد استَنَدَت إلى أساسِ الشَّراكةِ التَّامَّةِ في الإيمانِ وفي القربانِ المقدَّسِ. كما تَوضَّحَت أيضًا مَعالمُ الطريقِ المُؤدِّي إلى هذه الوحدةِ. فسيأتي يومٌ يَستعِيدُ فيه الإيمانُ وحدتَهُ، لاهوتًا وناسوتًا، ليُؤدِّي بنا جميعًا إلى الشَّركةِ الكاملةِ في الخبزِ الواحدِ والكأسِ الواحدةِ والقربانِ الواحدِ، بمشيئتِهِ تَعالَى وبرحمتِهِ.

 

ويأتي المحورُ الثَّالثُ في أعمالِ سيادةِ المطران خضر، وفي نشاطِهِ الَّذي لا يعرفُ التَّوقُّفَ ولا تَحدُّ منهُ السنونُ. إنَّه محورُ التَّلاقي بين المسيحيِّين والمسلمين على المودَّةِ المتبادلةِ وعلى العيشِ معًا في بوتقةٍ اجتماعيَّةٍ وسياسيَّةٍ واحدةٍ وفي صَوغِ مصيرٍ إنسانيٍّ واحدٍ. هذا الفكرُ النَيِّرُ يُعبِّرُ عنه سيادتُهُ بِلُغةٍ عربيَّةٍ أثبتَ مرَّةً أخيرةً ونهائيَّةً أنَّها تنتصرُ وأنَّها تنصَّرَت فعلاً على يدَيهِ. وكم ذكَّرَ سيادتُهُ أنَّ مَن نُعِتُوا بالنَّصارَى منذُ الجاهليَّة ما كانُوا غُرباءَ عن بَنِي العربِ سواءَ أكانوا من «أهلِ تغلب» أو من «أهل غسان». كما ذكَّرَ أيضًا بأنَّ مَن دعاهُم القرآنُ «أهل الكتاب» هُم حَمَلةُ إنجيلٍ مقدَّسٍ قالَ عنهُ القرآنُ أيضًا إنَّ فيه هُدًى ونورٌ.

 

ومن القالب إلى القلب، يُصِيبُ المطرانُ جورج كَبِدَ الحقيقةِ بتأكيدِهِ أنَّ فكرةَ إعطاءِ أرضٍ معيَّنةٍ لأهلِ دينٍ معيَّنٍ دونَ سِواه ما كانت إلاَّ فكرة يهوديَّة، وإنَّ المسلمين تعايشوا والمسيحيِّين منذ صدر الإسلام وهكذا عليهم أن يَبقَوا إلى يومِ القيامةِ. فاللهُ الَّذي نَعبدُهُ هو ربُّ العالَمِين وليس ربًّا لفئةٍ من النَّاسِ دونَ سواها. انطلاقًا من هذه القناعاتِ عملَ المطرانُ خضر كما لم يعمَل أحدٌ أكثر منهُ تثبيتًا للعروبةِ الحضاريَّةِ وللمشاركين بينَ أهلِ الشَّرقِ بكلِّ أطيافِهِم في صنعِ الكيانِ الواحدِ والمصيرِ الواحدِ. وإذا ما نظرنا إلى الحالةِ الَّتي وصلَ الشَّرقُ إليها في يومِنا هذا، فإنَّنا سنندمُ على أيَّةِ فرصةٍ ضاعَت من بَنِي جيلِنا أو تكادُ تضيعُ، فإلى اليقظةِ نحن مدعوُّون جميعًا ولن نجدَ صوتًا يُحاكِينا في هذا الاتِّجاهِ أنقى وأصفى من صوتِ المطرانِ جورج خضر، أدامَهُ اللهُ راعيًا على قطيعِهِ بغيرةِ إيليَّا وطهارةِ يوحنَّا.

 

لقد رفضَ المطرانُ خضر أن تَتقَوقَعَ المسيحيَّةُ ضمنَ شرنقةٍ تفصلُ أبناءَها عن الآخرين. وما أرادَ البتَّةَ أن يُغرِقَ دينَهُ في دُنيَاه بل تَاقَ بكلِّ جدٍّ إلى أن تَستَقِي الدُّنيا من منابع الدِّينِ فتكسب الدُّنيا والدِّين معًا وإلى ما شاءَ الله. وما من شكٍّ في أنَّ سيادتَهُ يحملُ اليومَ هذا المشرقَ في قلبِهِ وصلاتِهِ، سائلاً المَولَى عزَّ وجلَّ أن يرفعَ الغيومَ السُّودَ عن قلوبِ النَّاسِ، فلا يستمرُّوا في تحريفِ الكلامِ عن مَوضعِهِ تحريفًا خطيرًا. فيَا أيُّها الرَّاعي الصَّالحُ والمدبِّرُ الحكيمُ الَّذي أعادَ بناءَ كنائسِهِ في الأبرشيَّةِ وزَادَ عليها الكثيرَ، ويَا أيُّها الجسرُ المُوحِّدُ بينَ ضفَّتَي هذا الوجودِ. بُورِكَت روحُكَ الَّتي مَلأَها المسيحُ عطرًا وسحرًا. بُورِكَت غزارةُ فكرِكَ. وأنتَ يا مَن أخذتَ منهُ وأعطَيتَ مساعدة للآخرين في معرفةِ التَّعليمِ الصَّحيحِ، ويا معلِّمَ الكنيسةِ بكلِّ أجيالِها الآتيةِ كما علَّمتَ الحاضرَ ونشَرتَ في قلبِهِ عبيرَ الملكوتِ، لكَ منَّا كلِّ مُحبِّيكَ أسمَى آياتِ الشُّكرِ لِما قُمتَ بهِ ولما أنتَ عليه. إنَّنا لك مَديونُونَ مع كلِّ أبناءِ هذا المشرقِ. أمَّا المكافأةُ فأمرها للهِ وحده. وسيبقى اسمُكَ حيًّا في كنيستِكَ ومشرقِها على الدَّوامِ.

 

كلمة الختام كانت للمحتفى المطران جورج خضر به، قال فيها:

 

يقول الروح والعروس: «تعالَ» والروح يزوجنا للمسيح الذي له وحده الإكرام والسجود. أنتم أردتم تكريم مخلوق لظنكم ان نعمة الله انسكبت عليه واللحم والدم لا يُكرّمان. أعود اليكم اذًا بالحب الذي أحببتم به ربكم في هذا الاحتفال الذي شئتموه. نحن في اجتماع شكر لله وحده بعد ان أعطانا ما أعطى فإنه المبتدأ والمنتهى حتى نتوب. شئتم ان تلتمسوا الله بتكريمكم إنسانا. هذا جائز على ان تتخطوا من تكرمونه لأنكم رأيتم على وجهه ما يذكركم بالرب.

 

المحبة هي انسكاب الله في الإنسان. الرب دائما ينزل إلينا لنستطيع نحن ان نعلوَ إليه. وأنتم تلتمسون الله في الإنسان لأنكم لا ترون هذا في لحمه ودمه ولكن تشاهدون النعمة التي نزلت عليه. الإنسان الآخر محل لقائكم بالله. فإذا نظرتم إلى أخ لكم ووقفتم عنده ولم تشاهدوا الرب على وجهه تكونون عبدتم مخلوقا. وإذا رأيتم على وجهه جمالا اصعدوا توا إلى الله. انه وحده المعطي.

 

جئتم لتقولوا مودتكم لإنسان حسبتموه حبيب الله ولولا ذلك لما كان لقاء. في رؤية الله اجتمعنا اليوم ليقول كل منا محبته للآخر بعد أن نكون تلونا قراءة الله لنا. هذه وحدها تجعلنا نخرج من اميتنا وتفصلنا عن التجمهر لنسكن فوق حيث الرؤية. الدنيا قراءة المحبات أو ليست بشيء. كل كلام ان لم ينزل من الله ليس لنا. والله يريد لساننا لتبليغ كلامه. ونروم فهم مقاصده إذا تكلم الأبرار. عقولكم ان لم تعبر عن عقله لا تنقل الا بشرتكم في هزالتها. وأنتم مَهَمتكم أن تتولوا نقل الحق. هذه وحدها بلاغتكم.

 

مروا بالإنسان، لا تقفوا عنده. هو فقط طريق. ليس مقصدا وإذا لم تجدوا في من تكرمون عطاء إلهيا لا يكون استحق التكريم. لا تعظموا أحدا خوفا من ان يعبد نفسه أو ان يعبده الناس.

 

ما أُعطينا ان نراه ان الإنسان الاخر ملتقانا مع الله. المؤمن يراه في كل جمال وفي كل حق ولكن المهم في رؤيتنا أيَّ إنسانٍ ان نسعى إلى الله الساكن فيه. الغرض من كل ذلك ان تمر بالإنسان لترى وجه ربك. وهذا في المسيحية أساسي بسبب من قوله: «الله صار جسدا وأقام فينا». والحركة فيك هي من كيانك البشري القائم على الأرض إلى وجه الله المتسامي أبدًا. أنتم ما استوقفكم من تكرمون الا لأنكم حسبتم ان لمسة إلهية نزلت عليه. ان الإنسان تراب وأنتم تتجاوزون التراب بالرؤية. ليس التحرك في الناسوت الا لِلاهوت والا بقينا سجناء ترابيتنا. إذا نظرتم إلى وجهٍ ولم تقرأوا الله فيه تكونون مصرين على ملازمة هذه الدنيا. ولكنكم بما أوحي اليكم انتقلتم إلى فوق.

 

لكم ان تحبوا من حسبتم انه سلك مسلك القديسين ومن لم يكن على القداسة تدفعونه إليها. لولا بغية القداسة يكون اجتماعكم تجمهرا. نحن المؤمنين نبتغي فكر الأبرار. هو مضمون عقلنا. والثقافة زينته لأنه لا بد من التبليغ. هناك من كان بليغًا ولم يكتب حرفًا. جَمَع القداسة في ذاته ووزعها وكانت قلوب. من كَتَبَ القلوب لا يحتاج إلى قلم. عيشوا الناس في قلوبكم وحسبهم. تذهب الدنيا ولا تذهبون ان حييتم في المحبة.

 

هذه لا تحتاج إلى لغة أخرى لأنها هي اللغة، هي التواصل والإقامة في الوصل. أحبوا الناس ولا تسألوا عن جواب لهم. محبتكم كاملة بذاتها لأنها تؤسس المحبّ والمحبوب معًا. كل ما جاء تنظيمًا أو سياسة أو لغة ليس بشيء ان لم يأت فيضًا من حب والباقي تعابير. أحِبوا ولا تسألوا عمّا إذا قُبِل شيء منكم. أعطوا مجانًا، كفاكم عطاؤكم تعزية. أنتم فقراء ان لم تعطوا كل شيء.

 

إذا لم تقرأوا الله على وجه من تكرمون تكونون لازمتم هذه الأرض وإذا قرأتموه كنتم سماويين.

 

ماذا يعني ان نقترن بالله؟ انه الإيمان بأننا قادرون بنعمته ان نصعد اليه، ان نساكنه بل ان نسكن فيه. فكما صرنا بيته بالتجسد صار هو بيتنا بصعودنا اليه. نحن بتنا هنا بيته بروحه وهذا منه نزول. ذلك ان القصة كلها «ان احدا لم يصعد إلى السماء الا الذي نزل من السماء». وهذا القول الذي ينطبق على المسيح ينطبق علينا لأننا بالنعمة نأتي من فوق وبالنعمة نصعد إلى فوق. الحركة كلها حركة إلهية في داخلنا.

 

يقول الروح والعروس تعالَ. وهو يسكن فينا. أنتم التمستم الرب يسوع في من تكرمون. ما عدا الله ليس من تكريم ولا إكرام. لذا أحسست ان هذا الاحتفال حفلُ صلاة نبتغي فيها وجه المسيح فقط. من تكرمون أيقونةً يكون أو ليس بشيء. الايقونة هي في من تذكّر به. المحتفى به ان لم يعد بكم إلى السيد وحده تكونون ضعتم في متاهات.

 

كان اجتماعنا اليوم لنقول نعم للسيد، لنعاهده على ان نصبح له، لنسير في المحبة يوما فيوما ونمجد الله.